الخميس، 14 أغسطس 2008

كما جاءتنى

أحب المساجد

موقف حقيقي حدث معي وهو أقرب للخيال في وقتنا هذا ،،،،

مكة المكرمة.... كنا في جدة في بيت الوالدة حفظها الله في صباح الجمعة ... وعند الضحى سألت خالي ويش رأيك نطلع مكة نصلي الجمعة هناك و نرجع على طول؟ قال فكره طيبة ... نشرب الشاهي ونطلع
قلت الآن .. قبل ما يكسلنا الشيطان .. ولك علي أشتري لك شاهي عدني ما حصل من الخط ... لجل نلحق ندخل الحرم قبل الزحمة .. اليوم جمعة .. كل أهل مكة يصلوا هناك

واحنا في الطريق السريع ... لفت نظري قبل مكة بحوالي خمسة وأربعين كيلومتر أو يزيد قليلاً في الناحية الأخرى من الطريق .. بيت أبيض من بيوت الله ... مسجد ..
ولفت نظري لعدة أشياء لونه أبيض رائع ... و مئذنته جميلة وعالية نسبياً ، مبني على أسفل سفح جبل أو على تلة تقريباً .. مما يجعل الوصول إليه يبدو صعباً قليلاً .... خاصة على كبار السن .. وإن كان واضحاً أن من بنى المسجد بناه على هذه الصورة لجل يبان للناس من بعيد ... إن في هذا المكان مسجد

المسجد كان مهدمًا .. أو بمعنى أصح .. كان عبارة عن ثلثي مسجد فقط ... و الجزء الخلفي مهدوم تماماً .. و لا يوجد أبواب أو حتى شبابيك .. وليس أكثر من مسجد مهجور مرتفع عن الأرض
ما أدري ليه بقى منظر هذا المسجد في قلبي؟!! ... وصورته ما فارقت خيالي أبدا ..
يمكن لشموخه ووقوفه ضد السنين ... الله أعلم

وصلنا مكة ولله الحمد ... ووقفنا السيارة خارجها نظراً لشدة الزحام وصلينا وسمعنا الخطبة
بعد الصلاة .. ركبنا سيارتنا وأخذنا طريق العودة للمرة الثانية ... مدري ليش ... ظهرت صورة نفس المسجد في بالي المسجد الأبيض المهجور ، جلست أكلم نفسي ... بعد شويه يظهر لنا المسجد
جلست ألتفت لليمين وأنا أبحث عنه، أذكر أن بجانبه مبنى المعهد السعودي الياباني بحوالي خمسمائة متر و كل من يمر بالخط السريع يستطيع أن يراه ، مررت بجانب المسجد وطالعت فيه .. ولكن لفت انتباهي شيء !! سيارة .. فورد زرقاء اللون تقف بجانبه
ثوانٍ مرت وأنا أفكر .. ويش موقف هالسيارة هنا ؟ .. ويش عنده راعيها ؟ .. ثم اتخذت قراري سريعاً
هديت السرعة ولفيت لليمين على الخط الترابي ناحية المسجد ... ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ... وسط ذهول خالي وهو يسألني
خير ويش فيه ؟؟؟
خير صار شيء ؟؟؟

اتجهت لليمين من عند المعهد السعودي الياباني في خط ترابي لحوالي خمسمائة متر ثم يمين مرة أخرى ... ثم داخل أسوار لمزرعة قديمة ... حتى توجهت للمسجد مباشرة
سألني خالي خير .. ويش فيك؟ رُد علي
قلت أبداً .. بشوف راعي هالسيارة ويش عنده
قال ... مالنا ومال الناس
قلت خلينا نشوف .. وبالمرة نصلي العصر.. أعتقد أذن خلاص
شافني مصمم ومتجه بقوة للمسجد راح سكت

وقفنا السيارة في الأسفل ... وطلعنا حتى وصلنا للمسجد ... وإذا بصوت عالٍ ...
يرتل القرآن باكياً .. ويقرأ من سورة الرحمن ... وكان يقرأ هذه الآية بالذات " كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"
فكرت أن ننتظر في الخارج نستمع لهذه القراءة .. لكن الفضول قد بلغ بي مبلغه لأرى ماذا يحدث داخل هذا المسجد ... المهدوم ثلثه ... والذي حتى الطير لا تمر
فيه. دخلنا المسجد .. وإذا بشاب وضع سجادة صلاة على الأرض ... في يده مصحف صغير يقرأ فيه ... ولم يكن هناك أحد غيره
وأؤكد لم يكن هناك أحد غيره
قلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظر إلينا وكأننا أفزعناه ... مستغربا من حضورنا .. ثم قال
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سألته صليت العصر؟
قال .. لا
قلت طيب أذنت ؟
قال لا... كم الساعة ؟
قلت وجبت خلاص
أذنت .. ولما جيت أقيم الصلاة ... وجدت الشاب ينظر ناحية القبلة و يبتسم
غريبة ابتسامته !!!
يبتسم لمين ؟
ايش السبب !!!
وقفت أصلي ... إلا وأسمع الشاب يقول جملة طيرت عقلي تماماً، قال بالحرف الواحد : أبشر ... جماعة مرة وحدة
نظر لي خالي متعجباً ... فتجاهلت ذلك ... ثم كبرت للصلاة وأنا عقلي مشغول بهذه الجملة ( أبشر جماعة مرة وحدة )
يكلم مين ؟؟.. ما معانا أحد !!! ... أنا متأكد أن المسجد كان فاضي ... يمكن أحد دخل من غير ما أشوفه ... هل هو مجنون ... لا أعتقد أبداً ... طيب يكلم مين !!!

صلى خلفي ... وأنا تفكيري منشغل به تماماً
بعد الصلاة ... أدرت وجهي لهم .. وحين أشار لي خالي للانصراف.. قلت له .. روح أنت استناني في السيارة والحين ألحقك نظر لي ... كأنه خايف علي من هذا الشاب الغريب الذي يتوقف عند مسجد مهجور الذي يقرأ القرآن في مسجد مهجور الذي لا نعلم يكلم من ... حين يقول " أبشر جماعة مرة واحدة "

أشرت إليه أني جالس قليلاً نظرت للشاب وكان مازال مستغرقاً في التسبيح ... ثم سألته: كيف حال الشيخ ؟
فقال بخير ولله الحمد
سألته ما تعرفت عليك
فلان بن فلان
قلت فرصة سعيدة يا أخي ... بس الله يسامحك .. أشغلتني عن الصلاة
سألني ليش ؟
قلت ... وانا أقيم الصلاة سمعتك تقول أبشر جماعة مرة وحدة
ضحك ... وقال ويش فيها؟
قلت ... ما فيها شيء بس .. أنت كنت تكلم مين !!!
ابتسم ... ونظر للأرض وسكت لحظات ... وكأنه يفكر .. هل يخبرني أم لا ؟
هل سيقول كلمات أعجب من الخيال؟ ،أقرب للمستحيل ، تجعلني أشك أنه مجنون كلمات تهز القلوب ، تدمع الأعين ، أم يكتفي بالسكوت!!!

لو قلت لك .. رايح تقول علي مجنون
تأملته مليا ... وبعدين ... ضممت ركبتي لصدري ... حتى تكون الجلسة أكثر حميمية .. أكثر قرباً .. أكثر صدقاً .. وكأننا أصحاب من زمان
قلت .. ما أعتقد أنك مجنون ... شكلك هاديء جداً ... وصليت معانا ولا سمعت لك حرف
نظر لي ... ثم قال كلمة نزلت علي كالقنبلة .. جعلتني أفكر فعلاً .. هل هذا الشخص مجنون !!!
كنت أكلم المسجد
قلت .. نعم !!!
كنت أكلم المسجد
سألته حتى أحسم هذا النقاش مبكراً ... وهل رد عليك المسجد ؟

تبسم ... ثم قال .. ما قلت لك ... حتقول علي مجنون .. وهل الحجارة ترد .. هذه مجرد حجارة
فتبسمت ... وقلت كلامك مضبوط .. طالما أنها ما ترد ... طيب ليه تكلمها !!!
هل تنكر .... إن منها ما يهبط من خشية الله.. ؟

سبحان الله ... كيف أنكر وهذا مذكور في القرآن
طيب ... و قوله تعالى ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده)

قلت ماني فاهمك
باعلمك
نظر للأرض فترة وكأنه مازال يفكر هل يخبرني ؟؟ هل أستحق أن أعلم ؟؟ ثم قال دون أن يرفع عينيه
أنا إنسان أحب المساجد .. كلما شفت مسجدا قديما ولا مهدم أو مهجور .. أفكر فيه .أفكر في أيام كان الناس يصلون فيه ..وأقول .. تلقى المسجد الحين مشتاق للصلاة فيه .. تلقاه يحن لذكر الله ..أحس ... أحس أنه ولهان على التسبيح والتهليل .. يتمنى لو آية تهز جدرانه ..وأفكر ... وأفكر .. يمكن يمر وقت الآذان وتلقى المئذنة مشتاقة ... وتتمنى تنادي ... حي على الصلاة ... وأحس أن المسجد .... يشعر أنه غريب بين المساجد ... يتمنى ركعة .. سجدة .. أحس بحزن في القبلة ... تتمنى لا إله إلا الله ..ولو عابر سبيل يقول الله اكبر ... وبعدين يقرأ " الحمدلله رب العالمين " اقول في نفسي والله لأطفيء شوقك .. والله لأعيد فيك بعض أيامك أ.. قوم أنزل... وأصلي ركعتين لله ... وأقرأ فيه جزءاً من القرآن
لا تقول غريب فعلي .. لكني والله ... أحب المساجد

دمعت عيني ... نظرت في الأرض مثله لجل ما يلاحظها .. من كلامه .. من إحساسه من أسلوبه .. من فعله العجيب .. من رجل تعلق قلبه بالمساجد
مالقيت كلاماً يقال .. واكتفيت بكلمة الله يجزاك كل خير
بدأ خالي يدق لي بوري يستعجلني..قمت..سلمت عليه ..قلت له.. لا
تنسني من صالح دعاك
وأنا خارج من المسجد قال وعينه مازالت في الأرض ،تدري .. ويش أدعي دايما وأنا خارج
طالعت فيه وأنا أفكر .. ودي الزمن يطول وأنا أطلع فيه .. من كان هذا فعله .. كيف يكون دعاؤه ... وما كنت أتوقع أبداً هذا الدعاء
اللهم اللهم اللهم إن كنت تعلم أني آنست هذا المسجد بذكرك العظيم ... وقرآنك الكريم ... لوجهك يا رحيم .. فآنس وحشة أبي في قبره وأنت أرحم الراحمين


حينها تتابع الدمع من عيني .. ولم أستحِ أن أخفي ذلك .. أي فتى هذا .. وأي بر بالوالدين هذا .. ليتني مثله .. بل ليت لي ولداً مثله
كيف رباه أبوه .. أي تربية .. وعلى أي شيء نربي نحن أبناءنا

هزني هذا الدعاء ... اكتشفت أني مقصر للغاية مع والدي رحمه الله .. كم من المقصرين بيننا مع والديهم سواء كانوا أحياء أو أموات
أرى بعض الشباب حين تأتي صلاة الجنازة أو حين دفن الأب ... أراهم يبكون بحرقة
... يرفعون أكفهم بالدعاء بصوت باكٍ ... يقطع نياط القلوب ... وأتفكر ..

هل هم بررة بوالدهم أو والدتهم إلى هذه الدرجة .. أم أن هذا البكاء محاولة لتعويض ما فاتهم من برهم بوالديهم !!! .. أم أنهم الآن فقط .. شعروا بالمعنى الحقيقي ...

من كان الله في قلبه لن يرى إلا ما يرضي ربه

ليست هناك تعليقات: